16 شباط 2022 أساس ميديا :المصدرملاك عقيل :الكاتب
اُستُتبِع الظهور الإعلامي الأول لرئيس الوفد اللبناني المفاوض إلى مفاوضات الناقورة العميد بسام ياسين بحملة وُصِفت بـ"غير الأخلاقية"، شنّتها مجموعات تابعة للنائب جبران باسيل ومؤيّدة لرئيس الجمهورية ضدّ الجنرال ياسين، واستطراداً الجيش اللبناني.
وَصَل الأمر بالنائب زياد أسود إلى اتّهام عميد في الجيش اللبناني كان مكلّفاً من قبل رئيس الجمهورية وقائد الجيش بقيادة مفاوضات مصيريّة مع العدوّ الإسرائيلي بـ"تطبيق ما علّمتكم إيّاه الميليشيات في مواقعكم الرسمية". وأبواق باسيل اتّهمت العميد ياسين بـ"المزايدة والتفنيص"، فيما حرص مستشار رئيس الجمهورية الياس بو صعب على تأجيج "التعليقات" ضدّه.
في القصر الجمهوري سادَ الاستياء من مواقف العميد ياسين الذي أكّد في مقابلته الإعلامية أنّ "الوفد اللبناني المفاوض استُفِزّ من تصريحات رئيس الجمهورية"، وأشار إلى تبنّي جريدة "إسرائيل هيوم" لمواقف ميشال عون من ترسيم الحدود البحرية. وقال إنّ "إسرائيل حقّقت أهدافها بضربة واحدة".
بَرَزَ أمس ردّ رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي أشار صراحة إلى حصول "مداخلات وضغوط وتدخّلات" لمنعه من التوقيع على المرسوم 6433، لافتاً إلى أنّ "الدولة تجتهد في تبرير التفريط بحدود الكيان وتتنازل عن الثروات الوطنية
عقلٌ تخريبيّ
قرّر العقل التخريبي نفسه "تفويت العسكر ببعض"، فطلّ اللواء المتقاعد عبد الرحمن شحيتلي على الإعلام ليردّ على العميد ياسين، مع العلم أنّ شحيتلي متّهم بأنّه أحد المسؤولين عن الخطأ الذي ارتكبته حكومة نجيب ميقاتي عام 2011 بعدم إبدال إحداثيّات الخط الـ23 جنوباً، بالخط 29 بناءً على تقرير المكتب الهيدروغرافي البريطاني (UKHO) في شهر آب 2011، ثمّ استمرّ الخطأ بعدم الركون إلى دراسة الجيش التي صبّت في الإطار نفسه.
معركة مكشوفة
هي معركة مكشوفة، بأدوات داخلية، تفرّعت عن "الحرب الكبرى" المرتبطة بترسيم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلّة، بدا فيها أنّ الجيش وجزءاً كبيراً من الرأي العام في مواجهة مباشرة مع رئاسة الجمهورية وباسيل وفريق سياسي حارب الخط 29 الذي يحصّل للبنان 1430 كلم مربّعاً إضافية من حقوقه في المياه الاقليمية، فيما الخط 23 يحصر التفاوض بمساحة 860 كلم مربّعاً.
يلعب الوقت بقوّة ضدّ الدولة اللبنانية التي تلتهي بمعارك سقفها الأعلى الحسابات الشخصية والمصلحية، فيما شهر آذار على الأبواب، وهو موعد بدء العدو الإسرائيلي التنقيب عن النفط في حقل كاريش.
فضيحة رئاسيّة
سجّلت الأيام الماضية خللاً فاضحاً في التعاطي مع مسألة حسّاسة وكيانيّة ترسم مصير أجيال ونظام ودولة. المشهد سوريالي ويقارب الفضيحة:
- تسريب فحوى ورقة رسمية مُرسَلة من وزارة الخارجية اللبنانية إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن بناء على توجيهات رئيس الجمهورية، وقد عمّمها "مطبخ بعبدا" على عدّة وسائل إعلامية باعتبارها "صفعة لإسرائيل"، وضخّ فيها منسوباً عالياً من "الوطنية" لأنّها الأولى من نوعها منذ العام 2011 وتمثّل إعلاناً رسمياً صريحاً بنقل التفاوض من الخط 23 إلى الخط 29، مع الاحتفاظ بحقّ تعديل المرسوم 6433.
- انطلاق حملة "عونيّة" عُمّمت على كلّ وسائل التواصل الاجتماعي والمنصّات الإعلامية، وروّجت للرسالة على أنّها إنجاز رئاسي بالانتصار للخط 29 بعدما اُتُّهِمت بعبدا بالتفريط بحقوق لبنان المائية.
- يحطّ الوسيط الأميركي في ملفّ ترسيم الحدود آموس هوكشتاين ليومين في بيروت، ثمّ يطير مجدّداً إلى إسرائيل من دون أن يتبرّع أيّ مسؤول في الدولة اللبنانية بتوضيح مضمون العرض الإسرائيلي وردّ الدولة اللبنانية، بأركانها الثلاثة، عليه. والأهمّ عدم الردّ على معطيات تحدّثت عن عبر الالتزام بالخط 23، وبدء التفاوض انطلاقاً منه، وبالتالي نسف مسار من مفاوضات سابقة قادها الجيش وركّزت على مدى قوة وقانونية الخط 29 وهزالة الخط 23 وصعوبة الدفاع عنه.
- فجأة يُفجّر رئيس الجمهورية قنبلة في حديث إلى جريدة "الأخبار" لم يستدرج أيّ توضيح (أو نفي) من بعبدا بعد إعلانه صراحة أنّ "حدودنا البحرية هي الخط 23"، ناسفاً احتفالات "أنصاره" بـ"إنجاز" توجيه رسالة الخارجية إلى الأمم المتحدة التي تُكرّس حقّ لبنان بالخط 29، وراسماً علامات استفهام كبرى حول مصير المفاوضات برمّتها، بعدما كرّس بعبدا المرجعية الوحيدة لها. إضافة إلى احتمال تغليف المفاوضات بصفقة رئاسية بأبعاد إقليمية ودولية، وتتجاوز عتبة بعبدا نحو عين التينة وصولاً إلى حزب الله الذي بدا كالـ"المتفرّج" على الملفّ.
وفق معلومات "أساس" أبلغ الرئيس عون هذه المواقف للوسيط الأميركي خلال زيارته الأخيرة، وسمعها هوكشتاين أيضاً من الياس بو صعب وأبدى "ارتياحه" لها
"قصف" من بعبدا على اليرزة
بدا لافتاً إعادة عون نبش اتفاق الإطار الذي تولّاه سابقاً الرئيس نبيه برّي، و"نعمل من ضمنه"، قائلاً: "خطنا النقطة 23، وهي حدودنا البحرية. ليس هذا تنازلاً بل حقُّنا الحقيقي والفعلي"، مؤكّداً أنّ تعديل المرسوم 6433 "لم يعد وارداً في ضوء المعطيات الجديدة".
وفق معلومات "أساس" أبلغ الرئيس عون هذه المواقف للوسيط الأميركي خلال زيارته الأخيرة، وسمعها هوكشتاين أيضاً من الياس بو صعب وأبدى "ارتياحه" لها.
ردّ العميد ياسين
قابلت كلام الرئيس عون حول التزام لبنان بالخط 23 تأكيدات من جانب ياسين، محفوظة حكماً في أرشيف القصر الجمهوري، أبرزها:
- أعطى رئيس الجمهورية للوفد اللبناني المفاوض توجيهاته لانطلاق التفاوض على أساس الخط الذي ينطلق من نقطة رأس الناقورة برّاً والممتدّ بحراً تبعاً لتقنية خط الوسط من دون احتساب أيّ تأثير لجزيرة تيخيليت، أي الخط 29. وأكّد ياسين أنّ هذه التوجيهات دُوّنت في بيان صادر عن رئاسة الجمهورية في 13 تشرين الأول الماضي "بعد شرح مفصّل لعون عن قانونية هذا الخط".
- أكّد ياسين أنّه خلال كلّ الاجتماعات التي عقدها الوفد كان عون يشدّد على ضرورة التمسّك ببدء المفاوضات من الخط 29، رافضاً حصر التفاوض بين الخط 1 والخط 23. وتُرجم ذلك في البيان الصادر في 4 نيسان 2021 الذي أوصي فيه عون بألّا تكون متابعة التفاوض مرتبطة بشروط مسبقة.
- تسلّم ياسين الرئيس عون في 23 أيلول 2021 تقريراً مفصّلاً يتضمّن مراحل المفاوضات واستراتيجية متكاملة للمرحلة المقبلة بما يضمن مصلحة لبنان. وفي بيان رسميّ أعلنت رئاسة الجمهورية أنّ عون تسلّم التقرير. وتسلّم تقريراً آخر يبيّن أحقيّة وقانونية الخط 29 في ضوء صدور قرار محكمة العدل الدولية في شأن النزاع الحدودي البحري بين كينيا والصومال الذي بدوره يدعم ويؤكّد الحجج القانونية لتبنّي الخط 29.
- عدم تعديل المرسوم 6433 كان "كالسكّين الموجودة في ظهر الوفد الذي حاول دائماً الخروج منه. وكان رئيس الجمهورية يريد تعديله وأبلغنا بذلك ثمّ عدل عن ذلك".
- بعد تأكيد عون رسمياً رفض تعديل المرسوم 6433 والالتزام بالخط 23 الذي يصعب الدفاع عنه، يصبح البلوك 72 المحاذي لحقل قانا "محرّراً" بالنسبة للإسرائيلي، وهو ما سيفشّل أيّ مفاوضات مقبلة بشأنه مرتبطة بفضّ العروض، ويُخرج حقل كاريش بالكامل من دائرة المنطقة المتنازع عليها، ويبقي النقاش قائماً حول حقل قانا اللبناني.
الجيش
العميد ياسين كان أُحيل إلى التقاعد في 7 تشرين الأول الماضي، ولم يُعيّن بديل عنه في رئاسة الوفد اللبناني، فاستعاد قصر بعبدا "الإمرة" على ملفّ الترسيم. لكن في الشهر نفسه أطلق قائد الجيش العماد جوزيف عون موقفاً مفصليّاً خلال اجتماعٍ مع كبار الضبّاط مفاده أنّ "الجيش قام بواجبه الوطني، وملف ترسيم الحدود البحرية الآن ينتظر القرار السياسي. الجيش يخضع للسلطة السياسية، وقام بواجبه التقني في هذا السياق".
على الرغم من ذلك بقيت علامات استفهام قائمة حول السبب الذي دفع قائد الجيش، تحديداً، إلى رفع السقف في مسألة ترسيم الحدود بما يُغضِب الجانب الأميركي الذي يعمل علناً لمصلحة العدوّ الإسرائيلي، ثمّ تراجع إلى الوراء تاركاً للسلطة السياسية قيادة المرحلة المقبلة "المُشبّعة"، باعتقاد كثيرين، بروائح التسويات... ربّما بأثمانٍ بخسة جدّاً.
دياب: تعرّضت للضغوط
في سياق الملفّ نفسه، بَرَزَ أمس ردّ رئيس الحكومة السابق حسان دياب الذي أشار صراحة إلى حصول "مداخلات وضغوط وتدخّلات" لمنعه من التوقيع على المرسوم 6433، لافتاً إلى أنّ "الدولة تجتهد في تبرير التفريط بحدود الكيان وتتنازل عن الثروات الوطنية"، مثمّناً "الجهد الكبير الذي بذله الفريق العسكري في الجيش لترسيم الحدود التي تعطي لبنان حقّه الطبيعي في المنطقة الاقتصادية الخالصة عبر الخط 29"، وتحدّث عن "تنازلات على حساب المصلحة الوطنية".