24 آب 2022 newsfolio :المصدرغريس الهبر :الكاتب
مشروع سد المسيلحة ليس ظاهرة من ظواهر التصحر، لا بل صورة واقعية عن الفساد الذي قضى على "الأخضر واليابس" وملايين الدولارات..
يكشف تقرير حول إمكانية وجود عيوب في بحيرة وسد المسيلحة أعدّ في المفتشية العامة الهندسية في التفتيش المركزي، وحمل رقم الصادر 6/ص4/ب/2020 بتاريخ 21/12/2020، مدى "التذاكي" المتعمّد في التسويق لهذا المشروع والتحايل في تنفيذه والأكثر "فظاعة" الحجج التي إستخدمت لتبرير الفشل.. ونعم كانوا يعلمون وتكتموا...
ماذا قي تفاصيل التقرير؟
بداية، يوّثق التقرير أن شركة SAFAGE، التي تقدم المؤازرة الفنية لوزارة الطاقة والمياه، لاسيما في التحقق من الدراسات والتصاميم للسدود التي ترعى إنشاءها الوزارة، كانت "قد قدمت توصيات، خلال تدقيق الدراسات لاسيما التحفظ المؤرخ في 19/10/2011 قبل الشروع ببناء السد على التسرب المحتمل الذي يمكن أن يحصل نتيجة نقص في معالجة عزل ارضية الخزان لصعوبة تنفيذها في هذا الموقع المعقد جيولوجيا والتي ستزيد الأعباء المالية للمشروع".
والأبعد من ذلك، يكشف التقرير أنه خلال عمل المفتشية على هذا الملف، "لم يتبين من سير الملف والمستندات المرفقة بكتاب وزارة الطاقة والمياه رقم 417/ص1 تاريخ 19/11/2020، وجود مؤازرة فنية حالية للوزارة (شركة SAFAGE او ما يوازيها) لتقديم الدعم في تدقيق الدراسات العائدة للسد وفي تقييم الأعطال وترتيب المسؤوليات.
كذلك، متابعةً لأسباب فشل التعبئة الأولى والثانية لبحيرة السد والأضرار، يبيّن تقرير المفتشية أن "رأي دائرة القضايا في وزارة الطاقة والمياه رقم 2902 / 2020 تاريخ 17/7/ 2020 بقي رمادياً ناحية تحديد المسؤوليات، نسبة الى إستفهامات كان يجب أن تذللها مصلحة الأبحاث والمنشآت الفنية في المديرية العامة للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه، كون هذه المصلحة هي المكلفة الإشراف على تنفيذ الأشغال او من يؤازرها أي شركة SAFEGE"، لا سيما في التحقق من الدراسات والتصاميم للسدود التى ترعى إنشاءها هذة الوزارة. وبقي رأي دائرة القضايا ضمن الفرضيات، أن الإستشاري إما هو أخطأ في الدراسة أو أهمل في الإِشراف او أن المتعهد أخطأ في التنفيذ".
الى ذلك، خلص التقرير الى أن كتاب مجموعة ليبانكونسلت أ.ج.م. وكوين وباليه بتاريخ 19/8/2020 جواباً على تساؤلات التفتيش الهندسي بكتابه بتاريخ 3/2/2020 أكد وجود بعض الفجوات في قعر البحيرة أهمها إثنتان على الضفة اليمنى للنهر، الأولى بقطر 4 امتار وعمق 3.5 متر والثانية بقطر مترين وعمق مترين، ما يتناقض مع محضر الكشف المنفذ من قبل المجموعة بتاريخ 3/2/2020 الذي أشار الى وجود فتوحات قياس بضعة سنتمترات في أرضية بحيرة السد، وإنخسافات بقياس عشرات السنتمترات فقط.
ويتابع تقرير المفتشية: "ما يثير الشك عن سبب عدم إشارة خبراء المجموعة في محضر الكشف الى الفجوات المذكورة اعلاه والذي تزامن الكشف عليها مع الكشف الذي اجرته المفتشية العامة في التفتيش المركزي".
كذلك، "نفى كتاب المجموعة بأن تكون الفجوات المتشكلة بعد التعبئة والتفريغ، عبارة عن بواليع مشابهة لتلك التي توجد في الصخور الكارستية، وخلص الى أن الشوائب التي وجدت منتظرة في المشاريع المشابهة من ناحية ارضية الخزان ولا تعود لأي تقصير، إن من ناحية التنفيذ او الإشراف على الأشغال"، وفق ما ورد في تقرير المفتشية.
في سياق متصل، وفق تقرير المفتشية "لم يتبين ان مصلحة الأبحاث والمنشآت الفنية او شركة SAFEGE قد فنّدت او علّقت على المغالطات في محضر كشف مجموعة ليبانكونسلت أ.ج.م. وكوين وباليه، لا عند إهمال الإشارة الى الفجوات الموجودة، ولا عند تقليل من أهمية العيوب في خلاصة كتابها حين إعتبرتها شوائب منتظرة".
ويضيف تقرير المفتشية: "مجموعة ليبانكونسلت أ.ج.م. وكوين وباليه قامت بالدراسات الأولية والتمهيدية للمشروع والمكلفة الإشراف على إنشاء سد وبحيرة المسيلحة وملحقاته وإعداد الخرائط التنفيذية".
ويشير تقرير المفتشية الى أن "تقرير مجموعة ليبانكونسلت أ.ج.م. وكوين وباليه بتاريخ 6/10/2020 نتيجة تجربة التعبئة والتفريغ الثانية خلال اذار ونيسان 2020 تبين ان كمية التسرب في اليوم الواحد من أرضية خزان السد عند إمتلائه بلغت 300,000 م.م. أي 3.5 م.م. في الثانية، واثار هذا التقرير إمكانية وجود ممرات (بواليع) في الصخور الكارستية في أرضية بحيرة السد، إضافة الى ما أسماه فالق البترون".
هذا سبق ونفت المجموعة في كتابها بتاريخ 19/8/2020 جوابا على كتاب التفتيش الهندسي المؤرخ في 3/2/2020 هذا الأمر وعادت وأكدته بتاريخ 6/10/ 2020 ما يثير التناقضات بين تقارير المجموعة ويثير مسؤوليتها في عدم إرتقاب الطبيعة الجيولوجية لأرضية خزان السد سوء تقديرها لها وعدم فرض المعالجة المناسبة لها، وفق ما ورد في تقرير المفتشية.
وأقرت مجموعة ليبانكونسلت أ.ج.م. وكوين وباليه بتاريخ 6/10/2020 بحصول "التسرب عبر الصخور الكارستية تحت أرضية بحيرة السد إضافة الى التسرب عبر فالق البترون على يسار البحيرة، ما يرتب أشغالا إضافية لمعالجة أرضية بحيرة سد المسيلحة بمساحة 61,000 م2 وجدران دعم الضفة يسار البحيرة بمساحة تتجاوز 1600 م2 بقيمة مقدرة من قبل الإستشاري بحوالي 1,299,557 دولار أمريكي"، بحسب تقرير المفتشية.
مخالفات منذ البداية...
مخالفات جمة تشوب هذا المشروع منذ بدايته، وحتى يومنا هذا، إذ بدأت الأعمال في سد المسيلحة في آب 2014، ودون دراسة تقييم للأثر البيئي قبل تنفيذ المشروع و موافق عليها من قبل وزارة البيئة، بحسب النشطاء البيئيين. وبالتالي تكون وزارة الطاقة والمياه قد خالفت المادة 21 من قانون حماية البيئة رقم 444/2002 والمرسوم التطبيقي رقم 8633/2012، الذي يحدد الاصول التي ترعى تقييم الاثر البيئي للمشاريع الخاصة والعامة.
وعقب تنفيذ الأعمال، جرى تعبئة بحيرة سد المسيلحة مرتين وفشلت في الإحتفاظ بالمياه.. وفي هذا الإطار، يخلص تقرير المفتشية أنه بناءً على ما تقدم من معطيات وتقارير مختلفة أن "الإنخسافات التي حصلت عند التعبئة الأولى للسد كانت منظورة ومتوقعة حيث سبق ولفت تقرير شركة SAFAGE الى وجود طبقة كاريستة وقابلة للنفاذ متحفظاً على التسرب المحتمل الذي يمكن أن يحصل نتيجة نقص في معالجة عزل ارضية الخزان منذ العام 2011 قبل الشروع في تنفيذ السد، وأن إمكانية وجود ممرات (بواليع) في الصخور الكارستية في أرضية بحيرة السد نفاه الإستشاري وعاد وأقر به ما يدل على عدم الجدية في معالجة الأخطاء.
تحديد المسؤوليات ؟!
أوصى تقرير المفتيشية "بما أن الحلول البديلة (الأشغال الإضافية لمعالجة أرضية بحيرة سد المسيلحة وجدران دعم الضفة يسار البحيرة)، قد لا يكون ناجعاً ما يستدعي إجراءات إضافية لاحقة بما يجعل هذه الإضافات متدحرجة ومترافقة مع هدر المال العام، بما يستدعي إخضاع أية إضافات مقترحة من قبل الإستشاري الى تدقيق فني".
ويشير الناشط البيئي بول أبي راشد في حوار مع "نيوزفوليو" الى أنه "من العام 2014 أثبتت أن هذا المشروع لم يخضع لدراسة تقييم أثر بيئي، إنما التقرير المسرب يبرهن أن المشروع لا يحفظ المياه، ما يشير الى سوء نية"، مشدداً على وجود "تقصير وخطأ جسيم، ويجب أن تتحاسب وزارة الطاقة عليه".
يلفت أبي راشد الى أنه "في القانون تصنّف الأخطاء بين خطأ جسيم وخطأ بسيط، وفي حالة مشروع المسيلحة ليس خطأ بسيطاً، إذ أنه مشروع هندسته كلّفت 55 مليون دولار، ولا نعلم كم كلّفت الإستملاكات، بالإضافة الى مصاريف اخرى، ففي الحد الأدني بلغت الكلفة 70 مليون دولار"، مشيراً الى أن "عزل قعر أسفل البحيرة تصل كلفته الى 100 مليون وأؤكد ما بينجح السد".
ويشدد أبي راشد على أن تقييم الأثر البيئي، يتضمن public hearing أي يجب الإجتماع بالبلديات والناس والجمعيات والإختصاصيين، لأمر الذي لم يحصل.
خسارات "بالجملة"
من ناحية اخرى يفنّد أبي راشد الخسارات الأخرى غير الخسارات المادية نتيجة هذا المشروع، "خصوصأ أن المكان الذي تم إختيارة كان خاطئاً وذلك للأسباب التالية.
أولا، منطقة أثرية، حيث أنها طريق تجاري يربط الشرق بالغرب، لذا هذا الموقع أثري. منطقة المسيلحة منطقة أثرية تم تشويهها.
ثانياً، خسرنا سهلاً زراعيا خصبا، موجودا بنفس الموقع حيث أقيم السد
ثالثاً، أقيم السد على كسر أرض يظهر في الخرائط، وذلك حسب خبراء الهيدروجيولوجيا.
رابعاً، يعلو الموقع 40-50 متر عن سطح البحر، وهو إرتفاع قليل لجر المياه لتوزيع المياه من خلال الجاذبية، وعدم الإضطرار الى إستعمال المضخات.
خامساً، قانونياً يمنع أن يبدأ العمل بأي مشروع قبل إعداد دراسة الأثر البيئي".
وبعد كل ما ذكر، للأسف ما تزال وزارة الطاقة والمياه تحاول إخفاء عيوب في سد المسيلحة وتطالب بالاستحصال على اموال اضافية منفذة عائدة للمشروع.
وعليه، ألم يحن الوقت بأن نكون أمام تحرك قضائي، خصوصاً أن تقرير SAFEGE لحظ قبل الشروع في العمل أن الأرض "بتسرّب" ويجب معالجتها ولم يسمع أحد. على أمل أن يصبح في لبنان دولة، يوماً ما، تحاسب كل من ساهم في هدر المال العام وأيضاً من في يده سلطة محاسبة ولم يقم بواجبه طيلة كل هذه السنوات.