news
Folder

فن

27 حزيران 2022 المدن  :المصدروليد بركسية  :الكاتب

رابعة الزيات

محمد قنوع

نجوم التمثيل

article_page_ad

من المحزن حقاً انشغال السوريين في الأيام القليلة الماضية بتصريحات ممثل من الدرجة الثالثة حول الزواج المدني والمثليين جنسياً والدين وحقوق المرأة وغيرها، بشكل سلط الضوء على خصائص كرستها الديكتاتورية الأسدية/البعثية في المجتمع السوري طوال عقود، وتتمثل في تفريغ سوريا من الأصوات المستقلة لصالح الممثلين المرتبطين بالسلطة من جهة، والأفكار المحافظة التي تضخها السلطة بانتظام من مصادر متعددة بما يضمن لها شرعية معينة لحكمها الفاسد بوصفها حامية للدين والأخلاق وقيم العائلة، من جهة ثانية.

والحديث هنا عن الممثل السوري محمد قنوع الذي استضافته الإعلامية المرتبطة بمحور الممانعة ونظام الأسد رابعة الزيات في برنامج "شو القصة" الذي تعرضه قناة "لنا" التابعة لرجل الأعمال سامر فوز، أحد أذرع نظام الأسد الاقتصادية بعد ثورة 2011، وقدم تصريحات مروعة حول المرأة والمثليين جنسياً وفكرة الدولة المدنية وطروحات الزواج المدني وغيرها، بشكل يتوازى طبعاً مع خطاب الدولة السورية تجاه تلك الملفات في السنوات الأخيرة، وتحديداً منذ خطاب الرئيس السوري بشار الأسد في مسجد العثمان بالعاصمة دمشق أواخر العام 2020، ودفع بالقضايا الاجتماعية وموضوع الحريات الفردية في البلاد إلى الواجهة، مع تصوير "الدولة السورية" الفاشلة إدارياً والعاجزة اقتصادياً على أنها حامية للأخلاق العامة من قيم "الليبرالية الحديثة" في "الغرب السفيه الفاجر".

وبالطبع لا يملك قنوع (48 عاماً) ما يؤهله للتنظير على الناس وخياراتهم الشخصية وتمجيد العنف وتصدير خطاب الكراهية. وهو طوال اللقاء لا يتحدث عن نفسه بقدر ما يعطي نصائح للآخرين بما في ذلك تهجمه على الزيات نفسها التي حاولت مناقشته في جدل غايته الجدل بحد ذاته وليس الوصول إلى نتيجة مفيدة، قبل أن توافق على ما يقوله ضمنياً. وبالطبع سوف يصفق له الآلاف عندما يسمعونه يتحدث عن حجاب ابنته التي يمنعها من التمثيل وعدم عمل زوجته وعن معارضته لزواج المسلمة من المسيحي ولاشمئزازه من المثليين جنسياً وغيرها من التصريحات المستندة إلى موروث ديني واجتماعي عتيق ولا يناسب معايير الحياة الطبيعية في القرن الحادي والعشرين.

والسؤال هنا من هو محمد قنوع أصلأً كي تتضم استضافته بهذا الشكل للحديث عن قضايا تعتبر قضايا حقوق إنسان بالدرجة الأولى من المفترض ألا تتدخل الشريعة والأحكام الدينية البائدة فيها، وكأنه مفكر سياسي بحجم صامويل هنتنغتون أو حتى شاعر يعشقه النظام الأسدي من حجم أدونيس؟ إنه ليس ممثلاً من كبار الممثلين في الدراما السورية الذين يقولون عن أنفسهم أنهم "يحملون مشروعاً" بمعنى أنهم عملوا في مجال الإنتاج أو الإنتاج التنفيذي مثل أيمن زيدان وفراس إبراهيم، أو ارتبط اسمهم بمسلسلات معينة مثل ياسر العظمة في "مرايا" وباسم ياخور وأيمن رضا في "بقعة ضوء"، أو كانت علاقتهم بالسلطة كبيرة لدرجة تقديمهم الأعمال التي تعكس لحظات سياسية واقتصادية مفصلية مثل دريد لحام.

والمشكلة في سوريا الأسد بدأت منذ ستينيات القرن الماضي مع استيلاء حزب البعث على السلطة قبل أن يقوم حافظ الأسد بانقلاب عسكري أوصله للحكم العام 1970، وبموجبهما تم إخلاء البلاد من المثقفين والأصوات المستقلة وعوقب بالسجن والاعتقال والتهميش وغيرها، كل من يفكر ويرفع صوته، بموازاة تصدير الممثلين تحديداً على أنهم مثقفون يفقهون في كافة تفاصيل الحياة والعلوم والفلسفة. وفي كل اللقاءات الفنية، مع ممثلين مشهورين أو مغمورين، لعقود على الشاشات الرسمية كانت تطرح عليهم الأسئلة الجادة من أجل تقديم آرائهم حول الاقتصاد والسياسة والدين وغيرها، بما يرضي السلطة طبعاً.

وخلق ذلك معنى زائفاً للشهرة في البلاد يمكن تسميته بـ"متلازمة المثقف البثعي"، لا يمكن ملاحظته في كثير من دول العالم، كما أنه انتقل للسوشيال ميديا لاحقاً مع تكريس تلك الفكرة المشوهة في عقول السوريين الذين باتوا يكررون النمط نفسه عند وصولهم لشهرة ما من أجل تقديم آراء تماثل ما يقدمه الممثلون. وتميل تلك التعليقات عادة لأن تكون شديدة المحافظة لأنها تعبر عن رأي الجمهور الأوسع، فيما يعتقد أصحابها أن ذلك ما يجب عليهم تقديمه بوصفهم مشاهير. وسواء كان المشهور طباخاً في "يوتيوب" أو ممثلاً في "أنستغرام" فإن النتيجة واحدة.

الأسوأ بالطبع من قنوع هو المذيعة التي استضافته وطرحت عليه تلك الأسئلة، لكن هذه النوعية من التفاهة التلفزيونية ليس جديدة تماماً على الزيات (54 عاماً) التي اشتهرت في برامج الحوارات الفنية في قناة "الجديد" اللبنانية قبل سنوات، قبل أن تتقلب بين الحوارات السياسية والاقتصادية وتلك الفنية في قناة "لنا" منذ العام 2018. ولا تقدم الزيات في كل تجاربها جديداً بل تبقى مثلما هي بلا تغيير، بأسلوب الحوار الكلاسيكي نفسه القائم على كذبة "التهذيب والرقي" لطرح أسئلة تدعي العمق على ضيوفها من أجل الوصول إلى تعميمات تمجد محور الممانعة ورموزه من حسن نصر الله إلى علي خامنئي مروراً ببشار الأسد وسيدة الياسمين وغيرهم.

وقنوع اشتهر بالعمل في سلسلة "مرايا" مع ياسر العظمة منذ تسعينيات القرن الماضي، وهو ممثل لا يرتبط فقط بالمخابرات السورية بل يلعب أيضاً على ثيمات تستميل الجمهور المحافظ في سوريا والمنطقة العربية، من أجل ضخ أفكار ذكورية تحط من قدر النساء وتعزز فكرة الأب القائد للدولة والمجتمع، كوصف للدكتاتورية الحاكمة في سوريا، أيضاً. وليس من الغريب أن يستشهد قنوع بمعلمه العظمة بمناسبة وبلا مناسبة طوال اللقاء من أجل إعطاء مصداقية إضافية لإجاباته حول القضايا الأكثر حساسية، كتذكير للجمهور بأنه ليس "فناناً تافهاً" بل "فناناً مثقفاً ملتزماً".

والحال أن مثل هذه النوعية من التصريحات لو خرجت من ممثلٍ في دولة غربية لتمت مقاطعته وربما واجه دعاوى قضائية بسبب تصدير خطاب الكراهية والمعلومات الكاذبة وتقديم التمييز والحض على العنف. والأمر نفسه ينطبق على المذيعة التي تحاوره من دون أن تتدخل لقول ما يفترض قوله في مثل هذه المواقف التي تظهر مجدداً الفارق بين الأخلاق الفردية والأخلاق المجتمعية. لكن في سوريا، وبقية دول المنطقة، يحدث العكس مع رعاية المنظومة السياسية/الدينية لذلك الخطاب بشكل ممنهج وإعادة تدويره من مصادر مختلفة، وبالتالي فإن ما يصدر عن قنوع وزملائه من أنصاف الموهوبين الذين يتصدرون الشاشات ووسائل الإعلام العربية، طبيعي وممل في شكله بقدر ما هو متخلف وعديم الأخلاق والإنسانية في مضمونه.

news
news
news
news