news
Folder

صحة

20 آذار 2023 MTV  :المصدرايسامار لطيف  :الكاتب

الجنوب

وفاة

الإهمال الطبي

المستشفيات

article_page_ad

قد يحدث وتُدفن بعض "الجرائم" بأرضها من دون فتح تحقيق رسميّ، وهنا لا نقصد فقط تلك التي تشمل القتل المباشر، إذْ ثمّة أحداث تنتهك الإنسانيّة وتتسبّب بوفاة الآخرين بغطاء حزبيّ أو مناطقيّ، ويُمنع الحديث عنها أو التطرّق إليها بحجّة "تهديد أمن وسلامة البلدة"، وكأنّنا نعيش في نعيم، بينما نحن نصمّ آذاننا ونُغطّي أعيننا كي لا نسمع أو نرى ماذا يجري خشيّة من عواقب كلامنا أو... سكوتنا! 

 

الجمعة بتاريخ ١٧/٣/٢٠٢٣، استيقظت عائلة جنوبيّة على فعلٍ لم يكن أبداً بالحسبان رغماً عن كلّ الإجراءات الوقائية التي تتخذّها الأم لحماية ابنتها، إذْ أقدمت الشابة "س.ح." (٣٠ سنة)، وهي تعاني من تأخر بالنمو الذهنيّ، على ابتلاع برغيّ حديد، ممّا تسبّب بقصور تنفسيّ عندها نُقلت على إثره إلى مستشفى صلاح غندور في بنت جبيل- الجنوب، حيث أبلغت إدارة المستشفى الأهل بعدم توفرّ المعدات اللازمة لإجراء أيّ تدخل جراحيّ أو طبيّ وسط وجوب نقلها إلى أقرب مركز صحيّ آخر لأنّ "حالتها طارئة ولا تحتمل التأخير". وعلى الفور، نقل الأهل ابنتهم إلى مستشفى راغب حرب في النبطية، التابع مباشرةً لـ"حزب الله". وبعد إجراء الفحوصات الطبيّة، أكّد الطبيب الذي عاينها أنّ "البرغي يضغط على رئتها وهي تتنفس برئة واحدة فقط حالياً ومن المحتمل أن يتسبّب لها بنزيف داخليّ خلال الساعات المقبلة"، كاشفاً أنّه سيتواصل مع الطبيب المختصّ (طبيب الطوارئ)، ليُبنى على الشيء مقتضاه".  

 

وهذا ما حصل فعلاً، تمّ الاتّصال بالطبيب الذي رفض الحضور إلى المستشفى أساساً من دون دفع مبلغ 500 دولار أميركيّ لصالحه كبدل أتعاب مقدماً، فما كان من الأهل غير الموافقة لإنقاذ حياة ابنتهم، ولكن يبدو أنّ موعد ابتلاع الشابة للبرغيّ لم يتوافق مع جدول الطبيب المكتظ، إذ قال لهم حرفياً: "حسناً، سأتدخل طبياً غداً وليس اليوم لأن الوقت تأخر، وسأطلب من الطاقم التمريضيّ تجهيزها للدخول إلى أولّ عمليّة في الصباح الباكر"، وأغلق الهاتف بعدها ليُكمل ليلته وكأن شيئاً لم يكن، على قاعدة "إذا الها عمر بتعيش"! 

 

ولأن "الأعمار بيد الله"، شاءت الظروف أن تتوفّى الفتاة عند الساعة الخامسة من فجر السبت نتيجة الإهمال الطبيّ والإداريّ للمستشفى بعدما انزلق البرغيّ إلى معدتها ومزقها، لتُعاني المسكينة من النزيف الداخليّ الحادّ والآلام المبرحة لليلة كاملة وحدها بعقل بسيط لا يُدرك تبعات فعلتها إنّما يعرف الوجع الكبير الذي عانته ولعلّ صريخها في أروقة الطوارئ خير دليل عليه. وانطلاقاً من حقّ الردّ والتوضيح، حاولنا التواصل مع إدارة المستشفى إلّا أنّها لم تردّ على اتصالاتنا المتكرّرة، كما لم تُصدر أيّ بيان رسميّ حول الفاجعة حتّى الساعة، بينما الأهل في حالة صدمة وحزن. 

 

هذه الرواية التي قمنا بسردها ليست من نسج الخيال أو ملفقّة، إذْ قام أحد سكّان البلدة المقرّب من العائلة بسردها لنا بتفاصيلها مباشرةً بعد دفن الشابة أمس في مسقط رأسها. 

ويقول المصدر الذي فضّل عدم الكشف عن اسمه: "كشيعة من الجنوب لا يحقّ لنا الاعتراض أو توجيه الاتهامات كي لا نُتهمّ بالعمالة أو التحريض على أمن المنطقة المهتزّ أساساً. فأين الأجهزة الحزبيّة من هذه الجريمة البشعة؟ وإلى متى سنبقى نمُت ونُدفن بصمت والدولة غائبة؟"... 

 

لا شكّ بأن الدولة غائبة تماماً عن الجنوب اللبنانيّ بحكم أنّه يخضع لسلطة أحزاب معروفة لا داعي لذكرها. ولكن حتّى هذه الأحزاب لا يحقّ لها أن تقبل أو تسكت على جرائم مماثلة تحت أيّ ذريعة، فهل تُحاسب إدارة المستشفى، التي لا "يُسمح المساس بها نظراً لوقفاتها البطوليّة أيّام الحرب"، الطبيب لتقصيره المهنيّ تجاه هذه الحالة الإنسانيّة؟ وهل تتحرّك النقابة وتفتح تحقيقاً بالحادثة؟

news
news
news
news